کد مطلب:168075 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:229

اشارة رقم 2
قال ابن أعثم الكوفی فی كتابه الفتوح:(ونزل الحسین فی موضعه ذلك ونزل الحرّ بن یزید حذاءه فی ألف فارس، ودعا الحسین بدواة وبیاض، وكتب إلی أشراف الكوفة ممّن كان یظنّ أنه علی رأیه:

بسم اللّه الرحمن الرحیم، من الحسین بن علیّ إلی سلیمان بن صرد، والمسیّب بن نجبة، ورفاعة بن شدّاد، وعبداللّه بن وال، وجماعة المؤمنین. أمّا بعدُ: فقد علمتم أنّ رسول اللّه (ع) قد قال فی حیاته: من رأی سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم اللّه، ناكثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسنّة رسول اللّه، یعمل فی عباد اللّه بالاثم والعدوان، ثمّ لم یُغیّرعلیه بقول ولافعل كان حقّاً علی اللّه أن یُدخله مدخله، وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشیطان، وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا فی


الارض الفساد، وعطّلوا الحدود والاحكام،واستأثروا بالفیء، و أحلّوا حرام اللّه، وحرّموا حلاله، وإنّی أحقّ من غیری بهذا الامر لقرابتی من رسول اللّه (ع)، وقد أتتنی كتبكم، وقدمت علیَّ رسلكم بیعتكم أنكم لاتسلمونی ولاتخذلونی، فإن وفیتم لی ببیعتكم فقد أصبتم حضّكم ورشدكم، ونفسی مع أنفسكم، وأهلی وولدی مع أهالیكم وأولادكم، فلكم فیَّ أُسوة، وإنْ لم تفعلوا ونقضتم عهدكم ومواثیقكم، وخلعتم بیعتكم، فلعمری ما هی منكم بنكر، لقد فعلتموها بأبی وأخی وابن عمّی،هل المغرور إلاّ من اغترّ بكم، فإنما حضّكم أخطأتم، ونصیبكم ضیّعتم، ومن نكث فإنّما ینكث علی نفسه وسیُغنی اللّه عنكم. والسلام.

قال: ثمّ طوی الكتاب وختمه ودفعه إلی قیس بن مسهر الصیداوی، وأمره أن یسیر إلی الكوفة.

قال: فمضی قیس إلی الكوفة، وعبیداللّه بن زیاد قد وضع المراصد والمسالح علی الطرق، فلیس أحدٌ یقدر أن یجوز إلاّفُتّش، فلمّا تقارب من الكوفة قیس بن مسهّر لقیه عدوّ اللّه،یقال له الحصین بن نمیر السكونی، فلمّا نظر إلیه قیس ‍ كأنّه اتّقی علی نفسه، فأخرج الكتاب سریعاً فمزّقه عن آخره!

قال: وأمر الحصین أصحابه فأخذوا قیساً وأخذوا الكتاب ممزّقاً حتّی أتوا به إلی عبیداللّه بن زیاد.

فقال له عبیداللّه بن زیاد: من أنت!؟

قال: أنا رجل من شیعة أمیرالمؤمنین الحسین بن علیّ رضی اللّه عنهما!

قال: فَلِمَ خرقت الكتاب الذی كان معك!؟

قال: خوفاً حتّی لاتعلم ما فیه!

قال: وممّن كان هذا الكتاب وإلی من كان!؟


فقال: كان من الحسین إلی جماعة من أهل الكوفة لاأعرف أسماءهم!

قال فغضب ابن زیاد غضباً عظیماً، ثمّ قال: واللّه لاتفارقنی أبداً أو تدلّنی علی هؤلاء القوم الذین كتب إلیهم هذا الكتاب! أو تصعد المنبر فتسبّ الحسین وأباه وأخاه فتنجو من یدی أو لاقطّعنك!

فقال قیس: أمّا هؤلاء القوم فلا أعرفهم، و أمّا لعنة الحسین وأبیه وأخیه فإنّی أفعل!

قال فأمر به فأدخل المسجد الاعظم، ثمّ صعد المنبر، وجُمع له النّاس لیجتمعوا ویسمعوا اللعنة! فلمّا علم قیس أنّ النّاس قداجتمعوا وثب قائماً، فحمد اللّه وأثنی علیه، ثمّ صلّی علی محمّد وآله، وأكثر الترحم علی علیّ وولده، ثمّ لعن عبیداللّه بن زیاد ولعن أباه ولعن عُتاة بنی أمیّة عن آخرهم، ثمّ دعا النّاس إلی نصرة الحسین بن علیّ.

فأخبر بذلك عبیداللّه بن زیاد، فأصعد علی أعلی القصر، ثم رُمی به علی رأسه فمات رحمه اللّه، وبلغ ذلك الحسین فاستعبرباكیاً ثم قال: أللّهمّ اجعل لنا ولشیعتنا منزلاً كریماً عندك واجمع بیننا وإیّاهم فی مستقرّ رحمتك إنّك علی كلّ شی ء قدیر.

قال فوثب إلی الحسین رجلٌ من شیعته یُقال له هلال [1] فقال: یا ابن بنت رسول اللّه! تعلم أنّ جدّك رسول اللّه لم یقدر أن یُشربالخلائق محبّته، ولا أن یرجعوا من أمرهم إلی ما یُحبّ، وقد كان منهم منافقون یعدونه النصر ویضمرون له الغدر! یلقونه بأحلی من العسل ویلحقونه بأمرّ من الحنظل! حتّی توفّاه اللّه عزّوجلّ، و أنّ أباك علیّاً قد كان فی مثل ذلك، فقوم أجمعوا علی نصره وقاتلوامعه


المنافقین والفاسقین والمارقین والقاسطین حتّی أتاه أجله،وأنتم الیوم عندنا فی مثل ذلك الحال، فمن نكث فإنّما ینكث علی نفسه، واللّه یُغنی عنه، فسِرْ بنا راشداً مشرّقاً إنْ شئت أو مغرّباً، فواللّه ما أشفقنا من قدر اللّه، ولاكرهنا لقاء ربّنا، وإنّا علی نیّاتنا ونصرتنا، نوالی من والاك ونعادی من عاداك.

قال فخرج الحسین وولده وإخوته وأهل بیته رحمة اللّه علیهم بین یدیه، فنظر إلیهم ساعة وبكی وقال: أللّهم إنّا عترة نبیّك محمّد(ع)، وقد أُخرجنا وطردنا عن حرمجدّنا، وتعدّت بنو أمیّة علینا، فخذ بحقّنا وانصرنا علی القوم الكافرین. قال ثمّ صاح الحسین فی عشیرته ورحل من موضعه ذلك حتی نزل كربلاء فی یوم الاربعاء أو یوم الخمیس، وذلك فی الثانی من المحرّم سنة إحدی وستین...). [2] .

ونقول:

1) إنّ المشهور تأریخیاً هو أنّ الامام (ع) خطب أصحابه وأصحاب الحرّ فی منزل البیضة خطبته الشهیرة التی جاء فیها:(أیها النّاس، إنّ رسول اللّه (ع) قال: من رأی سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحُرم اللّه...)، [3] ولعلّ ابن أعثم قد تفرّد بروایة نصّ تلكم الخطبة علی أنها متن رسالة بعث بها الامام (ع) إلی مجموعة من وجهاء الشیعة وجماعة المؤمنین فی الكوفة. [4] .

2) وقد تُوهِم روایة ابن أعثم هذه كما اختلط الامربالفعل علی بعض المؤرّخین المتأخرین أنّ الامام (ع) كتب هذه الرسالة (نصّ خطبة البیضة) بعد


نزوله كربلاء! لكنّ التأمّل فی جمیع متن روایة ابن أعثم بالرغم من اضطراب سیاق الروایة اضطراباً بیّناً یكشف عن أنّ الامام (ع) كان قد كتبها فی موضع من المواضع القریبة من كربلاء قبل نزوله كربلاء، بل قبل اشتداد محاصرة جیش الحرّ للركب الحسینی، بدلیل قول نافع بن هلال مخاطباً الامام (ع): (فَسِرْ بنا راشداً مشرّقاً إن شئت أو مغرّباً!)، إذ لو كان هذا القول فی كربلاء أو بعد اشتداد المحاصرة لكان قولاً بلامعنی،لانّ الامام (ع) بعد ذلك كان قد جُعجع به وحوصر، وما كان یملك الاختیار فی الحركة لاشرقاً ولاغرباً.

هذا أوّلاً، أمّا ثانیاً، فلانّ آخر متن روایة ابن أعثم یصرّح هكذا،(ثمّ صاح الحسین فی عشیرته،ورحل من موضعه ذلك حتّی نزل كربلاء..)، وفی هذا دلالة لاریب فیهاعلی أنّ الواقعة التی رواها ابن أعثم حصلت قبل كربلاء ولیس ‍ فیها.

3) المشهور تأریخیاً أنّ الامام (ع) كان قد أرسل قیس بن مسهر الصیداوی (رض) برسالته الثانیة إلی أهل الكوفة من منطقة الحاجر من بطن الرمّة، [5] فجری علیه ماجری حتّی استشهاده (رض)، وكان خبر مقتله قد وصل إلی الامام (ع) فی منطقة عذیب الهجانات، [6] لاكما تصف روایة ابن أعثم الكوفی.


[1] الصحيح تأريخياً هو أنّ إسم هذا الرجل: نافع بن هلال الجملي.

[2] الفتوح: 5:143-149.

[3] راجع: تأريخ الطبري، 4:304-305والكامل في التأريخ:3:280 ومقتل الحسين (ع)، للمقرّم: 184-185.

[4] أمّا ما في مقتل الحسين (ع) للخوارزمي: 1:334-336 فهو نقل عن ابن أعثم.

[5] راجع مثلاً: تاريخ الطبري، 4:297 وفي التاريخ: 3:277،والارشاد: 220، وتجارب الامم: 2:57، و أنساب الاشراف:3:378، والاخبار الطوال: 245-246؛ وتذكرة الخواص: 221، ومثير الاحزان: 32، والبداية والنهاية: 8:181.

[6] راجع مثلاً: تاريخ الطبري: 4:306؛ والكامل في التاريخ: 3:281؛ والبداية والنهاية: 8:188.